الأحد، 2 أكتوبر 2011

سؤال (؟) عن أعجب الأشياء _يجب عليه الإمام ابن القيم الجوزية


السؤال:

كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل، وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة، أو يكرمه أتم كرامة، ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له ولا يأخذ له أهبة ؟!.

الإجابة:
قيل هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق، واجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء، وهذا التخلف له عدة أسباب:

أحدها: ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الأقوال، وأبطلها، وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه أحياء الموتى عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة، وقد روى أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ليس الخبر كالمعاين )).

فإذا اجتمع إلى ضعف العلمعدم استحضاره أو غيبته عن القلب كثيراً من أوقاته، أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده.

وانضم إلى ذلك: تقاضي الطبع وغلبات الهوى واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد وطول الأمل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل وإلف العوائد فهناك لا يمسك الإيمان في القلب إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا.

وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال حتى ينتهي إلى أدني مثقال ذرة في القلب.

وجماع هذه الأسباب يرجع إلى: ضعف البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.




كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

الاثنين، 13 يونيو 2011

في معنى :(( اهدنا الصراط المستقيم)):‎

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى في معنى :(( اهدنا الصراط المستقيم)): " الَّذِينَ عَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَعْصُونَهُ وَ لَا يَحْتَذُونَ حَذْوَهُ فَلَوْ هُدُوا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ لَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ وَاَلَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ اللَّهَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ إلَى اللَّهِ دَائِمًا فِي أَنْ يَهْدِيَهُمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . فَبِدَوَامِ هَذَا الدُّعَاءِ وَالِافْتِقَارِ صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ .
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ طَرِيقٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الِافْتِقَارِ وَمَا حَصَلَ فِيهِ الْهُدَى فِي الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى حُصُولِ الْهُدَى فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : ثَبِّتْنَا وَاهْدِنَا لُزُومَ الصِّرَاطِ .
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : زِدْنَا هُدًى يَتَنَاوَلُ مَا تَقَدَّمَ ؛ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ هُدًى مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ وَلَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَزُولُ عَنْ الْقَلْبِ وَإِنْ حَصَلَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعَمَلُ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى هَذَا الدُّعَاءِ ؛ وَلِهَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَإِذَا حَصَلَ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ حَصَلَ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ وَسَائِرُ مَا تَطْلُبُ النُّفُوسُ مِنْ السَّعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " .

الاثنين، 16 مايو 2011

باب : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا


وقول الله تعالى : (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )) .
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، إن أعطي رضي ، وإن لم يُعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة ، كان في الحراسة ، وإن كان في السّاقة ، كان في السّاقة ، إن استأذن ، لم يؤذن له ، وإن شفع ؛ لم يشفّع " .

هذا الباب باب عظيم من أبواب هذا الكتاب ترجمه الإمام رحمه الله بقوله : باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
من الشرك : يعني الشرك الأصغر أن يريد الإنسان بعمله ، بأعماله التي يعملها من الطاعات الدنيا ولا يريد بها الآخرة، وإرادة الإنسان الدنيا -يعني ثواب الدنيا- أعم من حال الرياء، فالرياء حالة واحدة من أحوال إرادة الإنسان الدنيا؛ فهو يصلي أو يزيد ويزين في صلاته لأجل الرؤية ولأجل المدح؛ لكن هناك أحوال أخر لإرادة الناس بأعمالهم الدنيا، فلهذا عطف الشيخ رحمه الله هذا الباب على الذي قبله ليبين أن إرادة الإنسان الدنيا تأتي في أحوال كثيرة أعم من حال الرياء بخاصة؛ لكن الرياء جاء فيه الحديث وخافه النبي عليه الصلاة والسلام على أمته فهو في وقوعه كثير والخوف منه جلل.
وهذا الباب اشتمل على الحكم بأنّ إرادة الإنسان بعمله الدنيا من الشرك وقوله إرادة الإنسان : يعني أن يعمل العمل وفي إرادته بَعَثه على العمل ثواب الدنيا، فهذا من الشرك بالله جل جلاله، وسيأتي تفصيل أحوال ذلك .
قال : وقول الله تعالى : ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)) (15)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [هود: 15-16] هذه الآية -آية سورة هود- مخصوصة بقوله تعالى ?مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ?[الإسراء:18] فهي مخصوصة بمن شاء الله جل وعلا قال هنا ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا)) يعني ممن أراد الله جل وعلا له ذلك، وممن شاءه الله، فهذا العموم الذي هنا مخصوص بآية الإسراء وآية سورة الشورى .
الذين يريدون الحياة الدنيا أصلا وقصدا وتحركا هم الكفار، ولهذا نزلت هذه الآية في الكفار؛ لكن لفظها يشمل كل من أراد الحياة الدنيا بعمله الصالح.
ولهذا جمع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة له أحوال الناس فيما قال السلف تفسيرا لهذه الآية، وجعل كلام السلف يتناول أربعة أنواع من الناس كلهم يدخل في هذا الوعيد.
النوع الأول: ممن ركبوا هذا الشرك الأصغر وأرادوا بعملهم الحياة الدنيا؛ أنه يعمل العمل الصالح وهو فيه مخلص لله جل وعلا؛ ولكن يريد به ثواب الدنيا ولا يريد ثواب الآخرة. مثلا يتعبد الله جل وعلا بالصلاة وهوفيها مخلص لله أداها على طواعية واختيار وامتثال لأمر الله؛ لكن يريد منها أن يصح بدنه، أو وصل رحمه وهو يريد منه أن يحصل له في الدنيا الذكر الطيب والصلة ونحو ذلك، أو عمل أعمالا من التجارة والصدقات وهو يريد بذلك تجارة لكي يكون عنده مال فيتصدق وهو يريد بذلك ثواب الدنيا، فهذا النوع عمل العبادة امتثالا للأمر ومخلصا فيها لله؛ ولكنه طامع في ثواب الدنيا، وليس له همة في الآخرة، ولم يعمل هربا من النار وطمعا في الجنة، فهذا داخل في هذا النوع، وداخل في قوله ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ )) .
والأعمال التي يعملها العبد ويستحضر فيها ثواب الدنيا على قسمين
القسم الأول: أن يكون العمل الذي عمله واستحضر فيه ثواب الدنيا وأراده ولم يرد ثواب الآخرة لم يرغِّب الشرع فيه بذكر ثواب الدنيا، مثل الصلاة والصيام ونحو ذلك من الأعمال والطاعات، فهذا لا يجوز له أن يريد به الدنيا ولو أراد به الدنيا فإنه مشرك ذلك الشرك.
والقسم الثاني: أعمال رتب الشارع عليها ثوابا في الدنيا ورغّب فيها بذكر ثوابا لها في الدنيا، مثل صلة الرحم وبر الوالدين ونحو ذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام "من سرَّه أن يُبسط له في رزقه أويُنسأ له في أثره فليصل رحمه"، فهذا النوع إذا استحضر في عمله حين يعمل هذا العمل استحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل، ولم يستحضر الثواب الأخروي، فإنه داخل في الوعيد فهو من أنواع هذا الشرك؛ لكن إذا استحضر الثواب الدنيوي والثواب الأخروي معا، له رغبة فيما عند الله في الآخرة يطمع في الجنة ويهرب من النار واستحضر ثواب هذا العمل في الدنيا، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الشرع ما رغب فيه بذكر الثواب في الدنيا إلا للحض عليه "من قتل قتيلا فله سلبه" فقتل القتيل في الجهاد لكي يحصل على السلب هذا؛ ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيما عند الله جل وعلا مخلصا فيه لوجه الله، لكن أتى هذا من زيادة الترغيب له ولم يقتصر على هذه الدنيا، بل قلبه معلق أيضا بالآخرة، فهذا النوع لا بأس به ولا يدخل في النوع الأول مما ذكره السلف في هذه الآية.
النوع الثاني: مما ذكره السلف مما يدخل تحت هذه الآية ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)) أنه يعمل العمل الصالح لأجل المال، فهو يعمل العمل لأجل ما يحصّله من المال، مثل أن يدرس ، يتعلم العلم الشرعي لأجل الوظيفة فقط، وليس في همه رفع الجهالة عن نفسه ومعرفة العبد بأمر ربه ونهيه والرغب في الجنة وما يقرب منها والهرب من النار وما يقرب منها، فهذا داخل في ذلك، أو حفظ القرآن ليكون إماما في المسجد ويكون له الرَّزق الذي يأتي من بيت المال، فغرضه من هذا العمل إنما هو المال، فهذا لم يعمل العمل صالحا، وإنما عمل العمل الذي في ظاهره أنه صالح؛ ولكن في باطنه قد أراد به الدنيا.
والنوع الثالث: أهل الرياء الذين يعملون الأعمال لأجل الرياء
والنوع الرابع: الذين يعملون الأعمال الصالحة ومعهم ناقض من نواقض الإسلام، يعمل أعمال صالحة يصلي ويزكي ويتصدق ويقرأ القرآن ويتلو؛ ولكن هو مشرك الشرك الأكبر، فهذا وإن قال إنه مؤمن فليس بصادق في ذلك؛ لأنه لو كان صادقا لوحّد الله جل وعلا..
فهذه بعض الأنواع التي ذكرت في تفسير هذه الآية وكلها داخلة تحت قوله ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا)) فهؤلاء جميعا أرادوا الحياة الدنيا وزينتها ولم يكن لهم هَمْ في رضى الله جل وعلا وطلب الآخرة بذلك العمل الذي عملوه.
هنا إشكال أورده بعض أهل العلم: وهو أنّ الله جل وعلا قال في الآية التي تليها ((أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) وأنّ هذه في الكفار الأصليين أو في من قام به مكفّر، أما المسلم الذي قامت به إرادة الدنيا فإنه لا يدخل في هذه الآية؟
والجواب: أنه يدخل لأن السلف أدخلوا أصناف من المسلمين في هذه الآية، والوعيد بقوله ((أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ)) فيمن كانت إرادته الحياة الدنيا فلم يتقرب إلى الله جل وعلا بشيء، ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)) فهؤلاء أرادوا الدنيا بكل عمل وليس معهم من الإيمان والإسلام مصحح لأصل أعمالهم، فهؤلاء مخلدون في النار، أما الذي معه أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يصح به عمله فهذا قد يحبط العمل؛ بل يحبط عمله الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا، وما عداه لا يحبط لأن معه أصل الإيمان الذي يصحح العمل الذي لم يخالطه شرك.
فإذن هذه الآية فيها الوعيد، وهذا الوعيد يشمل كما ذكرنا أربعة أصناف، وكما قال أهل العلم: إن العبرة هنا باللفظ لا بخصوص السبب، فهي وإن كانت في الكفار لكن لفظها يشمل من أراد الحياة الدنيا من غير الكفار.


المصدر :
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله
شريط رقم 12 .
 

الثلاثاء، 10 مايو 2011

يا بني! اخلِص طاعة الله بسريرةٍ ناصحة‎


عن عقيل بن معقل بن منبه؛ قال: سمعتُ عمِّي وهب بن منبه يقول: يا بني! اخلِص طاعة الله بسريرةٍ ناصحة يصدُق بها فعلُك في العلانية، فإنَّ من فَعَل خيرًا ثمَّ أسرَّه إلى الله؛ فقد أصاب مواضعه، وأبلغه قراره، ووضعه عند حافظه.
وإنَّ مَن أسرَّ عملاً صالحًا لم يطلِّع عليه إلا الله؛ فقد أطلع عليه من هو حسبه، واستحفظه واستودعه حفيظًا لا يضيع أجره، فلا تخافنَّ -يا بني!- على من عمِلَ صالحًا أسرَّه إلى الله -عزَّ وجل- ضياعًا، ولا تخافنَّ ظلمةً ولا هضمة.
ولا تظنن أنَّ العلانية هي أنجح مِن السَّرِيرةِ؛ فإنَّ مِثل العلانية مع السَّريرة؛ كمثل ورق الشَّجرة مع عرقها، العلانية ورقها والسَّريرة أصلها، إن يحرق العرق هلكت الشَّجرة كلها، وإن صَلُحَ الأصل صَلُحَت الشَّجرة؛ ثمرها وورقها.
والورق يأتي عليه حين يجف ويصير هباءً تذرُوهُ الرِّياح؛ بخلاف العرق، فإنَّه لا يزال ما ظهر من الشَّجرة في خير وعافية، ما كان عرقها مستخفيًا لا يُرى منه شئ.
كذلك الدِّين والعلم والعمل، لا يزال صالحًا ما كان له سريرة صالحة يصدق الله بها علانية العبد، فإنَّ العلانية تنفع مع السَّريرة الصَّالحة، ولا تنفع العلانية مع السَّريرة الفاسدة؛ كما ينفع عرق الشجرة صلاح فرعها، وإنْ كان حياته من قبل عرقها؛ فإنَّ فرعها زينتها وجمالها.
وإن كانت السَّريرة هي ملاك الدين؛ فإنَّ العلانية معها تزَّين الدِّين وتجمِّله؛ إذا عمِلَها مؤمنٌ لا يريد بها إلا رضاء ربه -عزَّ وجلَّ-.
المصدر: البداية والنهاية (الجزء التاسع، صفحة: 329).

الأحد، 13 مارس 2011


عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا ،إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ".

أخرجه الترمذي (5/493 رقم 3431) وقال : غريب ، وابن ماجه ، وأخرجه أيضًا : الحارث كما فى بغية الباحث (2/956 ، رقم 1056) وحسَّنه الألباني (صحيح ابن ماجة ، رقم 3892 ).

قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي":

قَوْلُهُ : ( مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ ): أَيْ مُبْتَلًى فِي أَمْرٍ بَدَنِيٍّ كَبَرَصٍ وَقِصَرٍ فَاحِشٍ أَوْ طُولٍ مُفْرِطٍ أَوْ عَمًى أَوْ عَرَجٍ أَوْ اِعْوِجَاجِ يَدٍ وَنَحْوِهَا , أَوْ دِينِيٍّ بِنَحْوِ فِسْقٍ وَظُلْمٍ وَبِدْعَةٍ وَكُفْرٍ وَغَيْرِهَا .

( وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا ): أَيْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْقَلْبِ وَالْقَالَبِ.

( كَائِنًا مَا كَانَ ): أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَيَّ بَلَاءٍ كَانَ .

( مَا عَاشَ ): أَيْ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي الدُّنْيَا.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

طلب الدعاء من الغير


طلب الدعاء من الغير ينقسم إلى أقسام: 
القسم الأول: أن يطلب من الغير الدعاء لصالح المسلمين جميعا أي شيء عام فهذا لا بأس به، وقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا فأنشأ الله سحابة فانتشرت وتوسعت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعا كاملا وفي الجمعة الثانية دخل رجل آخر أو الأول فقال: يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وتمايز السحاب حتى خرج الناس يمشون في الشمس . فإذا طلبت من شخص صالح مرجو الإجابة شيئا عاما للمسلمين فهذا لا بأس به لأنك لم تسأل لنفسك مثال ذلك: لو أن رجلا جاء إليك يطلب منك الشفاعة لتغيث رجلا ملهوفا أو تقضى عنه دينه أوترفع الظلم عن رجل ضعيف من المسلمين فإن هذا لا بأس به لأن المصلحة لغيره.

القسم الثاني: أن يطلب الدعاء من الرجل الصالح من أجل أن ينتفع الرجل بهذا الدعاء ولا يهمه هو أن ينتفع لكن يحب من هذا الرجل الذي طلب منه الدعاء أن يلجأ إلى الله وان يسأل الله عز وجل وأن يعلق قلبه بالله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سميع الدعاء المهم أن يكون قصده مصلحة هذا الرجل فهذا لا بأس به أيضا لأنك لم تسأله لمحض نفعك ولكن لنفعه هو فأنت تريد أن يزداد هذا الرجل الصالح خيرا بدعاء الله عز وجل وأن يتقرب إلى الله بالدعاء وأن يحصل على الأجر والثواب.

القسم الثالث: أن يطلب الدعاء من الغير لمصلحة نفسه هو فهذا أجازه بعض العلماء وقال لا بأس أن تطلب من الرجل الصالح أن يدعو لك لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال لا ينبغي إذا كان قصدك مصلحة نفسك فقط لأن هذا قد يدخل في المسألة المذمومة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا وكذلك لأنه ربما يعتمد هذا السائل الذي سأل غيره أن يدعو له ربما يعتمد على دعاء هذا الغير وينسى أن يدعو هو لنفسه فيقول: أنا قلت لفلان وهو رجل صالح ادع الله لي وإذا استجاب الله هذا الدعاء فهو كاف فيعتمد على غيره وكذلك لأنه ربما يلحق المسئول غرور في نفسه وأنه رجل صالح يطمع الناس إلى دعائه فيحصل في هذا شر على المسئول .وعلى كل حال فإن هذا القسم الثالث مختلف فيه فمن العلماء من قال: لا بأس أن تقول للرجل الصالح يا فلان ادع الله لي ومنهم من قال لا ينبغي والأحسن ألا تقول ذلك لأنه ربما يمن عليك بهذا وربما تذل أمامه بسؤالك ثم إنه من الذي يحول بينك وبين ربك ادع الله بنفسك لا أحد يحول بينك وبين الله لماذا تذهب تفتقر إلى غيرك وتقول: ادع الله لي وأنت ليس بينك وبين ربك واسطة ؟ 
قال الله تعالى: { وقال ربكم ادعوني استجب لكم }
وقال: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }



شرح رياض الصالحين للشيخ العثيمين "رحمه الله"
المجلد الثالث (من شرح الحديث 717)

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

ثلاث وصايا... للشيخ العلامة الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله-


"عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، عِظْني وأوجز. فقال: إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع، ولا تَكَلم بكلام تعذر منه غداً، واجمع اليأس مما في أيدي الناس" رواه أحمد.

هذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا، إذا أخذ بها العبد: تمت أموره وأفلح.
فالوصية الأولى:

تتضمن تكميل الصلاة، والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال. وذلك بأن يحاسب نفسه على كل صلاة يصليها، وأنه سيتم جميع ما فيها: من واجب، وفروض، وسنة، وأن يتحقق بمقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات. وذلك بأن يقوم إليها مستحضراً وقوفه بين يدي ربه، وأنه يناجيه بما يقوله، من قراءة وذكر ودعاء ويخضع له في قيامه وركوعه، وسجوده وخفضه ورفعه.

ويعينه على هذا المقصد الجليل: توطين نفسه على ذلك من غير تردد ولا كسل قلبي، ويستحضر في كل صلاة أنها صلاة مودِّع،كأنه لا يصلي غيرها.
ومعلوم أن المودع، يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه.
ولا يزال مستصحباً لهذه المعاني النافعة، والأسباب القوية
حتى يسهل عليه الأمر، ويتعود ذلك.
والصلاة على هذا الوجه: تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل، وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في نفسه من زيادة الإيمان، ونور القلب وسروره، ورغبته التامة في الخير.

وأما الوصية الثانية:

فهي حفظ اللسان ومراقبته؛ فإن حفظ اللسان عليه المدار، وهو مِلاك أمر العبد. فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه. ومتى ملكه لسانه فلم يصنه عن الكلام الضار، فإن أمره يختل في دينه ودنياه. فلا يتكلم بكلام، إلا قد عرف نفعه في دينه أو دنياه. وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه، فإنه إذا تكلم به ملكه الكلام، وصار أسيراً له. وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه.


وأما الوصية الثالثة: 
فهي توطين النفس على التعلق بالله وحده،في أمور معاشه ومعاده، فلا يسأل إلا الله، ولا يطمع إلا في فضله.ويوطن نفسه على اليأس مما في أيدي الناس؛ فإن اليأس عصمة. ومن أيس من شيء استغنى عنه. فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا الله، فلا يعلق قلبه إلا بالله.فيبقى عبداً لله حقيقة، سالماً من عبودية الخلق. قد تحرر من رقِّهم، واكتسب بذلك العز والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقوط بحسب تعلقه بهم. والله أعلم."